أسباب تلين القلوب
إن القلوب تقسو، فتكون كالحجارة أو أشد قسوة، فتبعد عن الله وعن رحمته وعن طاعته
وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، الذي لا ينتفع بتذكير، ولا يلين لموعظة، ولا يفقه مقالة، فيصبح صاحبه يحمل في صدره حجرًا صلدًا لا فائدة منه، ولا يصدر منه إلا الشر
ومن القلوب ما يلين ويخشع ويخضع لخالقه
ويفقه ويقرب من الله ومن رحمته وطاعته، فيحمل صاحبه قلبًا طيبًا رحيمًا يصدر منه الخير دائمًا
ولقسوة القلوب أو لينها أسباب يتعطاها العبد، فمن أعظم أسباب تلين القلوب
*قراءة القرآن واستماعه، قال تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَشَهِيدٌ} [ق: 37]، وقال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45]، وقال الله -تعالى-: {الَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الَّهِ} [الزمر: 23]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد:16]، في هذه الآيات الكريمة أن القرآن العظيم أعظم ما يلين القلوب لمن أقبل على تلاوته واستماعه بتدبر، كما قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِالَّهِ} [الحشر: 21]
وأنه يجب على المسلمين الإقبال على كتاب ربهم تلاوة وتدبرًا وعملًا؛ حتى
تحصل لهم الهداية وحياة القلوب، ولا تشبهوا بأهل الكتاب الذين حملوا التوراة والإنجيل فأعرضواعنهما، فقست قلوبهم بسبب ذلك، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم لوعد ولا لوعيد، ومن أعظم مايلين القلوب تذكر الموت وزوال الدنيا والانتقال إلى الدار الآخرة، ومن أعظم ما يقسِّي القلوب الغفلة
عن الآخرة ونسيان الموت والانشغال بالدنيا. قال تعالى:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة)، وقال-عليه الصلاة والسلام-: (أكثروا من ذكر هادم الذات: الموت)،
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يونس:8،7
. ومن أعظم ما يلين القلوب
الاعتبار بما جرى ويجري للأ الكفرة من الهلاك والدمار
ومن أعظم ما يقسِّيها الغفلة عن ذلك، قال تعالى: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ*أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46،45].
*ومما يليِّن القلوب: الإكثار من ذكر الله – عز وجل – ومن أعظم ما يقسِّيها الغفلة عن ذكر الله. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2]
، وقال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الّهِ أَلاَ بِذِكْرِ الّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28]، وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].
ومن أعظم ما يليِّن القلوب:
قبول أوامر الله والعمل بها، واجتناب نواهيه
ومن أعظم ما يقسيِّها :الإعراض عن أوامر الله ونواهيه قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125،124]إلى قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ الّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} [التوبة: 127]فقبول الحق والعمل به سبب لهداية القلب وإيمانه، ورد الحق وترك العمل به سبب لزيغ القلب وطغيانه، قال الله تعالى-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110]، وقال الله -تعالى-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الَّهُ قُلُوبَهُمْ وَالَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[الصف: 5]
ومن أسباب لين القلوب واتعاظها:
لتفكُّر والنظر في أحوال المرضى والفقراء والمبتلين،
ومن أسباب قسوتها الاغترار بالصحة والقوة والغنى والثروة، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم))، وقال تعالى – عن عاد الذين غرتهم قوة أجسامهم وكثرة أموالهم: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْر
الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ*فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ} [فصلت: 15
فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله